فصل: تفسير الآية رقم (135):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (128- 134):

{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133) مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}
أخرج الطيالسي والترمذي وحسنه وابن المنذر والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: «خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة، ففعل ونزلت هذه الآية {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا...} الآية. قال ابن عباس: فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز».
وأخرج ابن سعد وأبو داود والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندنا، وكان يطوف علينا يومياً من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى من هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت، وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله يومي هو لعائشة. فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة: فأنزل الله في ذلك {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً...} الآية».
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن جرير وابن المنذر عن عائشة {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً...} الآية. قالت: الرجل تكون عنده المرأة ليس مستكثراً منها يريد أن يفارقها، فتقول: أجعلك من شأني في حل. فنزلت هذه الآية.
وأخرج ابن ماجة عن عائشة قالت: نزلت هذه الآية {والصلح خير} في رجل كانت تحته امرأة قد طالت صحبتها وولدت منه أولاداً، فأراد أن يستبدل بها، فراضته على أن يقيم عندها ولا يقيم لها.
وأخرج مالك وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن رافع بن خديج. أنه كانت تحته امرأة قد خلا من سنها، فتزوج عليها شابة فآثرها عليها، فأبت الأولى أن تقر، فطلقها تطليقة حتى إذا بقي من أجلها يسير قال: إن شئت راجعتك وصبرت على الأثرة، وإن شئت تركتك؟ قالت: بل راجعني. فراجعا فلم تصبر على الأثرة، فطلقها أخرى وآثر عليها الشابة، فذلك الصلح الذي بلغنا أن الله أنزل فيه {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً...} الآية.
وأخرج الشافعي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن سعيد ابن المسيب. أن ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج، فكره منها أمراً، إما كبراً أو غيره، فأراد طلاقها فقالت: لا تطلقني. واقسم لي ما بدا لك، فاصطلحا على صلح، فجرت السنة بذلك، ونزل القرآن {وإن امرأة خافت من بعلها...} الآية.
وأخرج ابن جرير عن عمر. أن رجلاً سأله عن آية؟ فكره ذلك وضربه بالدرة، فسأله آخر عن هذه الآية {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً} فقال: عن مثل هذا فسلوا، ثم قال: هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها، فيتزوج المرأة الثانية يلتمس ولدها، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز.
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وابن راهويه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن علي بن أبي طالب. أنه سئل عن هذه الآية فقال: هو الرجل عنده امرأتان، فتكون إحداهما قد عجزت أو تكون دميمة فيريد فراقها، فتصالحه على أن يكون عندها ليلة وعند الأخرى ليالي ولا يفارقها، فما طابت به نفسها فلا بأس به، فإن رجعت سوَّى بينهما.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: هي المرأة تكون عند الرجل حتى تكبر، فيريد أن يتزوج عليها، فيتصالحان بينهما صلحاً على أن لها يوماً ولهذه يومان أو ثلاثة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: تلك المرأة تكون عند الرجل لا يرى منها كثيراً مما يحب، وله امرأة غيرها أحب إليه منها فيؤثرها عليها، فأمر الله إذا كان ذلك أن يقول لها: يا هذه إن شئت أن تقيمي على ما ترين من الأثرة فأواسيك وأنفق عليك فأقيمي، وإن كرهت خليت سبيلك، فإن هي رضيت أن تقيم بعد أن يخبرها فلا جناح عليه، وهو قوله: {والصلح خير} يعني أن تخيير الزوج لها بين الإقامة والفراق خير من تمادي الزوج على أثرة غيرها عليها.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: هو الرجل تكون تحته المرأة الكبيرة، فينكح عليها المرأة الشابة، ويكره أن يفارق أم ولده فيصالحها على عطية من ماله ونفسه، فيطيب له ذلك الصلح.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال: نزلت في أبي السنابل بن بعكك.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سودة بنت زمعة.
وأخرج أبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق».
وأخرج الحاكم عن كثير بن عبدالله بن عوف عن أبيه عن جده: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الصلح حائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالاً أو أحل حراماً، والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وأحضرت الأنفس الشح} قال: تشح عند الصلح على نصيبها من زوجها.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله: {وأحضرت الأنفس الشح} قال: هواه في الشيء يحرص عليه. وفي قوله: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء} قال: في الحب والجماع.
وفي قوله: {فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة} قال: لا هي أيِّم ولا هي ذات زوج.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن أبي مليكة قال: نزلت هذه الآية {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء} في عائشة، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها أكثر من غيرها.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن المنذر عن عائشة قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط».
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد قال: كانوا يستحبون أن يسوّوا بين الضرائر حتى في الطيب، يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن جابر بن زيد قال: كانت لي امرأتان، فلقد كنت أعدل بينهما حتى أعد القبل.
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين. في الذي له امرأتان يكره أن يتوضأ في بيت إحداهما دون الأخرى.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: إن كانوا ليسوّون بين الضرائر حتى تبقى الفضلة مما لا يكال من السويق والطعام، فيقسمونه كفاً كفاً إذا كان مما لا يستطاع كيله.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في قوله: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء} قال: في الجماع.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عبيدة في قوله: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء} قال في الحب {فلا تميلوا كل الميل} قال: في الغشيان {فتذروها كالمعلقة} لا أيِّم ولا ذات زوج.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد في قوله: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء} قال: يعني في الحب {فلا تميلوا كل الميل} قال: لا تتعمدوا الإساءة.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية يقول: لا تمل عليها، فلا تنفق عليها، ولا تقسم لها يوماً.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في الآية يقول: إن أحببت واحدة وأبغضت واحدة فاعدل بينهما.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فتذروها كالمعلقة} قال: لا مطلقة ولا ذات بعل.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير عن قتادة في قوله: {كالمعلقة} قال: كالمسجونة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وإن يتفرقا} قال: الطلاق.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وكان الله غنياً} قال: غنياً عن خلقه {حميداً} قال: مستحمداً إليهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن علي. مثله.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {وكفى بالله وكيلاً} قال: حفيظاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين} قال: قادر والله ربنا على ذلك أن يهلك من خلقه ما شاء ويأت بآخرين من بعدهم.

.تفسير الآية رقم (135):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين...} الآية. قال: أمر الله المؤمنين أن يقولوا بالحق ولو على أنفسهم، أو آبائهم، أو أبنائهم، لا يحابوا غنياً لغناه، ولا يرحموا مسكيناً لمسكنته، وفي قوله: {فلا تتبعوا الهوى} فتذروا الحق، فتجوروا {وإن تلووا} يعني ألسنتكم بالشهادة أو تعرضوا عنها.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس في قوله: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله...} الآية. قال: الرجلان يقعدان عند القاضي فيكون ليّ القاضي وإعراضه لأحد الرجلين على الآخر.
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن مولى لابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، كانت البقرة أول سورة نزلت، ثم أردفها سورة النساء قال: فكان الرجل يكون عنده الشهادة قبل ابنه أو عمه أو ذوي رحمه، فيلوي بها لسانه أو يكتمها، مما يرى من عسرته حتى يوسر فيقضي، فنزلت {كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله} يعني إن يكن غنياً أو فقيراً.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم، اختصم إليه رجلان غني وفقير، فكان حلفه مع الفقير يرى أن الفقير لا يظلم الغني، فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: هذا في الشهادة، فأقم الشهادة يا ابن آدم ولو على نفسك، أو الوالدين والأقربين، أو على ذي قرابتك وأشراف قومك، فإنما الشهادة لله وليست للناس، وإن الله تعالى رضي بالعدل لنفسه، والإقساط والعدل ميزان الله في الأرض، به يرد الله من الشديد على الضعيف، ومن الصادق على الكاذب، ومن المبطل على المحق، وبالعدل يصدق الصادق ويكذب الكاذب، ويرد المعتدي ويوبخه تعالى ربنا وتبارك، وبالعدل يصلح الناس، يا ابن آدم إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما، يقول: الله أولى بغنيكم وفقيركم، ولا يمنعك عنى غني ولا فَقْرُ فقير أن تشهد عليه بما تعلم فإن ذلك من الحق، قال: وذكر لنا أن نبي الله موسى عليه السلام قال: يا رب أي شيء وضعت في الأرض أقل؟ قال: العدل أقل ما وضعت.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وإن تلووا أو تعرضوا} يقول: تلوي لسانك بغير الحق وهي اللجلجة، فلا يقيم الشهادة على وجهها. والإعراض الترك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: {تلووا} تحرفوا و {تعرضوا} تتركوا.
أخرج آدم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله: {وإن تلووا} يقول: تبدلوا الشهادة {أو تعرضوا} يقول: تكتموها.